كارثة في صور… حريق يلتهم أجزاء من المدرج الروماني ويهدد ذاكرة لبنان الحضارية
"حزب الله" : حتى نبيه بري صهيوني
الرهان على بري في الصراع بين الدولة ودويلة «الحزب» صار أشبه بـ «قميص عثمان»، الذي رفعه معاوية بن أبي سفيان ليواري خلف استدعاء عاطفة ممزوجة بعصبية الثأر، طموحًا سلطويًا يُزاحم الإمام علي بن أبي طالب على خلافته. بدهاء السنين، يترك أبو مصطفى كل طرف يؤول تموضعه إزاء قميص السلاح بما يناسب مصالحه، وفي ذكرى الإمام موسى الصدر أعطى كل طرف سؤله.
وإذا كان «الحزب» يتوسّع عبر آلته الإعلامية والثقافوية في استخدام «الصهينة» كأداة سياسية دفاعية يشهرها بوجه خصومه ودعاة الدولة معًا، ويخلطها بصفحات منتقاة من حقبة الثمانينات، فإن بري ليس بمعصوم عنها، بل إن هذا السيف سبق أن صُلِّت عليه وحركته، التي تأسست في الأصل على يد الإمام الصدر لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
في تموز 1990 طالبت «أمل» ببيان لها إيران بـ «سحب حرسها الثوري من لبنان»، فرد «الحزب» باعتبار أن هذه الدعوة تؤكد ضلوع «الحركة» في «مهمة تسديد الفواتير للكيان الصهيوني»، وزاد عليه أمينه العام عباس الموسوي بالقول «إسرائيل تقاتل المجاهدين تارة بأسلحتها، وطورًا من خلال من كنا نأمل أن يكونوا إخوانًا لنا في مواجهة الأعداء».
لم يتورّع «الحزب» عن توجيه اتهام صريح لبري بأنه صهيوني، في وقت كان عوده لمّا يتصالب بعد، ويبحث عن صياغة موقعه ضمن المعادلة الناشئة على وقع «اتفاق الطائف»، مع أن الأخ أبو مصطفى ما طلب إيقاف النشاط العسكري، ولا تسليم السلاح للدولة، لكنه مس نفوذ آيات الله. وطالما فتح «الحزب» دفاتر الثمانينات، فلا مناص من إظهار صفحات يحاول سكب حبر سري عليها.
في حزيران 1982، أرسلت إيران سفيرها موسى فخر روحاني للضغط على بري ودفعه إلى الانسحاب من «هيئة الإنقاذ الوطني» التي شكلها رئيس الجمهورية الياس سركيس لمواجهة تداعيات الاجتياح الإسرائيلي، وضمت إلى رئيس الحكومة ووزير الخارجية زعماء الساحة المؤثرين: بشير الجميل وبري ووليد جنبلاط.
وحينما رفض مستظلًا بتغطية الإمام محمد مهدي شمس الدين، والمرجع محمد حسين فضل الله، رد الخميني بالطلب من الذين يؤمنون بدعوته الانشقاق عن «الحركة»، فظهرت «أمل الإسلامية» بزعامة نائب أبو مصطفى في «الحركة» الأصلية حسين الموسوي، والذي اتهم رئيسه بالتعامل مع إسرائيل لعصيانه الإمام، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من المنظمين والقيادات، بينهم إبراهيم أمين السيد، الزاهد حاليًا.
المثير أن الملالي أسسوا نسخة متطرفة من «الإثني عشرية»، تحلم بأمجاد «قورش» وتتحدث بلسان مظلومية الحسين، ارتكزت دعايتها على مجموعة وقائع مركزية، بينها قضية «التحكيم» الشهيرة، والتي روجت عنها غدر عمرو بن العاص بأبي موسى الأشعري، حينما كان الأول حكمًا عن معاوية، والثاني عن الإمام علي. بمعزل عن التزييف فيها، فإن آيات الله أعادوا تجسيد الحكاية ليكونوا الخصم والحكم عقب الانشقاق الكبير، حيث طلبوا من سفيرهم في دمشق محتشمي بور «التحكيم» بين بري وحسين الموسوي، فحكم للأخير ورفض الأول الحكم.
وحينما اشتدت الاشتباكات بين التنظيمين أواخر الثمانينات، واكتوى المجتمع الشيعي بنارها، أوفد الخميني وزير خارجيته علي لاريجاني ليكون «رسولًا» للسلام، فأجرى وساطة أنتجت اتفاقية «دمشق 1»، التي سقطت سريعًا. غير أن تيقن حافظ الأسد من قرب سقوط حليفه الاتحاد السوفياتي، دفعه للتقرّب من طهران، وتسهيل مهمة الرسول في إبرام «دمشق 2» التي لا تزال صامدة حتى يومنا. وفي مشهدية تعبر عن مدى عجز نظام الملالي عن إنتاج جيل سياسي ثوري جديد، يعود لاريجاني نفسه إلى بيروت لإنقاذ رأس «الحزب»، والضغط على ناظر البرلمان للالتزام بموجبات «دمشق 2».
يدرك بري، المفاوض المفضل عند الأميركيين منذ توالت تقارير استخباراتهم لتبيّن لدوائر صنع القرار أن حركته معتدلة تسعى لمعالجة مظلومية الشيعة وتلتزم ببقاء الدولة وبنظامها السياسي، بأن «الحزب» الذي قتل أحد قادة «اليونيفيل» العقيد الأميركي وليام هيجينز عام 1988، وتبنى سياسة خطف الرهائن الغربيين، لن يتردد في تكرارها في لحظة الحشرة.
بذاكرته الحادة، يستحضر تفاصيل هذه الأحداث، ومحاولات اغتياله، من دون أن يبالي بأداة «الصهينة» بل بتبعاتها، ليتبنى سياسة مرونة مركبة، تبتغي حماية مصالح الطائفة وموقعها في النظام، محافظًا على «شعرة معاوية» مع «الحزب» لإبقائه متدثرًا عباءته، ومع الدولة كي لا يخسر الشيعة الشراكة في قرارها.
علمته التجارب أن إيران هي الفاعل، وهو القائل عام 1988 «على الخياط الإيراني أن يرقع الثوب الذي مزقه صبيتهم». يسرّح اليوم ناظريه نحو طهران منتظرًا مآل جولات المنازلة: تجديد نول خياطة النفوذ، مقايضة الصبية، أو كسر إبرة الخياط على يد أميركا، ليحدد عندها تموضعه: شريك في «ثنائية» تمزيق ثوب الدولة، أو شريك في ترميمه؟ الثمن هو المحدد.
سامر زريق - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|